الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مسير العساكر لقتال أبي الغازي وقطلغتكين والجهاد بعدهما. ولما كان ما ذكرناه من عصيان أبي الغازي وقطلغتكين على السلطان محمد وقوة الفرنج على المسلمين جهز السلطان جيشا كثيرا مقدمهم الأمير برسق صاحب همدان ومعه الأمير حيوش بك والأمير كشغرة وعساكر الموصل والجزيرة وأمرهم بقتال أبي الغازي وقطلغتكين فإذا فرغوا منهما ساروا إلى الفرنج فارتجعوا البلاد من أيديهم فساروا لذلك في رمضان من سنة ثمان وعبروا الفرات عند الرقة وجاؤا إلى حلب وطلبوا من صاحبها لؤلؤ الخادم ومن مقدم العسكر المعروف بشمس الخواص تسليم حاب بكتاب السلطان في ذلك فتعلل عليهم وبعث إلى أبي الغازي وقطلغتكين بالخبر واستنجدهما فسار إليه في ألفين وامتنعت حلب على عساكر السلطان فسار برسق بالعساكر إلى حماة وهي لقطلغتكين فملكها عنوة وسلمها إلى قزجان صاحب حمص بعهد السلطان له بذلك في كل ما يفتحونه من البلاد فثقل ذلك على الأمراء وتخاذلوا وتسلم قزجان حماة بن برسق وأعطاه ابن أبي الغازي إبنه رهينة عنده ثم سار أبو الغازي وقطلغتكين وشمس الخواص إلى انطاكية مستنجدين بصاحبها بردويل وجاءهم بعد ذلك بغدوين صاحب القدس وصاحب طرابلس وغيرهما من الإفرنج واتفقوا على تأخير الحرب إلى إنصرام الشتاء واجتمعوا بقلعة أفامية وأقاموا شهرين وانصرم الشتاء والمسلمون مقيمون فوهنت عزائم الإفرنج وعادوا إلى بلادهم وعاد أبو الغازي إلى ماردين وقطلغتكين إلى دمشق وسار المسلمون إلى كفر طاب من بلاد الإفرنج فحاصروه وملكوه عنوة وأسروا صاحبه واستلحموا من فيه ثم ساروا إلى قلعة أفامية فامتنعت عليهم فعادوا إلى المعرة وفارقهم جيوش بك إلى مراغة فملكه وسارت إلى العساكر من المعرة إلى حلب وقدموا أثقالهم وخيامهم فصادفهم بردويل صاحب إنطاكية في خمسمائة فارس وألفي راجل صريخا لأهل كفر طاب وصادف مخيم العسكر ففتك فيه وفعل الأفاعيل وهم متلاحقون وجاء الأمير برسق وعاين مصارعهم وأشار عليه إخوته بالنجاء بنفسه فنجا بنفسه وأتبعهم الإفرنج ورجعوا عنهم على فرسخ وعاثوا في المسلمين في كل ناحية وقتل أياز بن أبي الغازي قتله الموكلون به وجاء أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين ما لم يحتسبوه ويئسوا من النصرة ورجعت العساكر منهزمة إلى بلادها وتوفي برسق زنكي سنة عشر بعدها..ولاية حيوش ومسعود بن السلطان محمد علي الموصل. ثم أقطع السلطان الموصل وما كان بيد أقسنقر البرسقي للأمير حيوش بك وبعث معه ابنه مسعود وأقام البرسقي بالرحبة وهي اقطاعه إلى أن توفي السلطان محمد..ولاية جاولية سكاو على فارس وأخباره فيها ووفاته. كان جاولي سكا ولما رجع إلى السلطان محمد ورضي عنه ولاه فارسا وأعمالها وبعث معه ابنه جعفري بك طفلا كما فصل من الرضاع وعهد إليه بأصلاحها فسار إليها ومر بالأمير بلداجي في بلاده كليل وسرماة وقلعة اصطخر وكان من مماليك السلطان ملك شاه فاستدعاه للقاء جعفري بك وتقدم إليه بأن يأمر بالقبض عليه فقبض عليه ونهبت أمواله وكان أهله وذخائره في قلعة اصطخر وقد استناب فيها وزيره الخيمي ولم يمكنه بعض أهله فلما وصل جاولي إلى فارس ملكها منه وجعل فيها ذخائره ثم أرسل إلى خسرو وهو الحسين بن مبارز صاحب نسا وأمير الشوا مكارمن الأكراد فاستدعاه للقاء جعفري بك من السلطان خشية مما وقع لبلداخي فأعرض عنه وأظهر الرجوع إلى السلطان ومضى رسول خبره فبشر بأنصافه عن فارس فما أدى إليه الخبر إلا وجاولي قد خالطهم رجع من طريقه وأوعز في السير إليهم ثم هرب خسرو إلى عمدالج وفتك جاولي في أصحابه وماله ثم سار جاولي إلى مدينة نسا فملكها ونهب جهرم وغيرها وسار إلى خسرو فامتنع عليه بحصنه فرجع إلى شيراز وأقام بها ثم سار إلى كازرون فملكها وحاصر أبا سعيد بن محمد في قلعته مدة عامين وراسله في الصلح فقتل الرسل مرتين ثم اشتد عليه الحصار واستأمن فأمنه وملك الحصن ثم استوحش من جاولي فهرب وقبض على ولده وجيء به أسيرا فقتل ثم سار جاولي إلى دار بكرد فهرب صاحبها إبراهيم إلى كرمان وصاحبها أرسلان شاه كرمان شاه ابن أرسلان بن قاروت بك فسار جاولي إلى حصار درابكرد فامتنعت عليه فخرج إلى البرية ثم جاءهم من طريق كرمان كاءنة مدد لهم من صاحب كرمان فأدخلوه فملك البلد واستلحم أهله ثم سار إلىكرمان وبعث إلى خسرو مقدم الشوذ كان يستدعيه للمسير معه فلم يجد من موافقته وجاء وصاحبه الى كرمان وبعث إلى ملك كرمان بإعادة الشواذ كان الذين عنده فبعث بالشفاعة فيهم فاستخلص السلطان الرسول بالإحسان وحثه على صاحبه ووعده بأن يرد العساكر عن وجهه ويخذلهم عنه ما استطاع وانقلب عنه إلى صاحبها فقي عساكر كرمان وزيره بالسيرجان فتراءى لهم أن جاولي عازم على مواصلتهم وأنه مستوحش من اجتماع العساكر بالسيرجان وأشار عليه بالرجوع فرجعوا وسار جاولي في أثر الرسول وحاصر حصنا بطرف كرمان فأرتاب ملك كرمان بخبر الرسول ثم أطلع عليه من غير جامعة فقتله ونهب أمواله وبعث العساكر لقتاله واجتمع معهم صاحب الحصن المحاضر وسلك بهم غير الجادة وسمع جاولي بخبرهم فأرسل بعض الأمراء ليأتيه بالخبر فلم يجد أحدا فرجع وأخبره أن عسكر كرمان قد رجع فاطمأن ولم يكن إلا قليل حتى بيتته عساكر كرمان في شوال سنة ثمان وخمسمائة فانهزم وفتكوا فيه قتلا وأسرا وأدركه خسرو بن أبي سعد الذي كان قتل أباه فلما رآهما خاف منهما فآنساه وأبلغاه إلى مأمنه بمدينة نسا ولحقته عساكره وأطلق ملك كرمان الأسري وجهزهم إليه وبينما هو يجهز العساكر لكرمان لأخذ ثاره توفي جعفري بك ابن السلطان في ذي الحجة من سنة تسع لخمس سنين من عمره فقطعه ذلك عن معاداة كرمان ثم بعث ملك كرمان إلى السلطان ببغداد في منع جاولي عنه فقال له لابد أن تسلم الحصن إلى حاصره جاولي في أحد كرمان وإنهزم عليه وهو حصن فرح ثم توفي جاولي في ربيع سنة عشر فامنوا إعادته والله سبحانه وتعالى أعلم.
|